Active meter

Search

Wednesday, October 7, 2009

التهويل من انفلونزا الخنازير

زاهر بن حارث المحروقي

كاتب عماني

1
إن الكرة الأرضية تعيش الآن مهرجانا عالميا اسمه مهرجان انفلونزا الخنازير وهو أكبر مهرجان من نوعه على الإطلاق يقام في العالم بمشاركة الجميع سواء الذين خططوا له أو الذين شاركوا فيه من غير دراية عن الأسباب الحقيقية التي أدت إلى إقامته وكأن مشاكل العالم كلها قد انتهت ولم تبق إلا هذه الانفلونزا مما أدى بي إلى أن استرجع كلاما قالته أحلام مستغانمي في روايتها ذاكرة الجسد عندما قالت على لسان بطلة الرواية : ( أصبحت أحذر الأنظمة التي تكثر من المهرجانات والمؤتمرات فإنها دائما تخفي شيئا
ما !)

إن كلام بطلة ذاكرة الجسد ينطبق تماما على الوضع الحالي في العالم حيث انشغل الناس بهذه الانفلونزا على حساب الكثير من الأساسيات في حياتهم اليومية وتم تضخيم الموضوع خاصة في دول العالم الثالث وكأن العالم على عتبة النهاية في وقت تؤكد فيه كل الدراسات والتصريحات العالمية أن انفلونزا الخنازير لا تختلف عن الانفلونزا العادية أو أي مرض آخر باسثناء بسيط هو أنها تؤدي إلى وفاة أصحاب المناعة الضعيفة أو أصحاب الأمراض المزمنة وهو ما يفعله أي مرض آخر .
2
لقد شاركت السلطنة في المهرجان العالمي لأنفلونزا الخنازير بأن اتخذت الحكومة قرارات احترازية لمنع انتشار المرض كتأجيل الدراسة وإلغاء مهرجان مسقط وتشكيل لجنة عليا لمتابعة تطورات المرض مع ما رافق ذلك من حملة إعلامية للحد من انتشار المرض إلا أن المبالغة في إظهار خطورة المرض أدى بالناس إلى أن يتخلوا عن خصال حميدة عاش عليها الآباء والأجداد وأقلها المصافحة والتي تعتبر من آداب الإسلام وأخلاقه الكريمة إذ أنها تعبير عن المحبة والمودة بين المتصافحين كما أنها تذهب الغل والحقد والكراهية بين المسلمين وقد جاء في فضلها حديث شريف قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يفترقا ) ، فإذا بنا نجد أن الكل يتهرب الآن من المصافحة حتى في المناسبات كالعزاءات والأعياد وكأن المشكلة هي في المصافحة فقط

لقد شهد عيد الفطر الماضي قصصا غريبة وفي مجتمعات كانت معروفة بتماسكها وترابطها حيث تسابق المصلون بعد خطبة العيد للهرب من المصلى لدرجة أن شدة التزاحم كادت أن تؤدي إلى كارثة ، كما أن الناس تخلوا عن عادة جميلة هي عادة الإلتقاء في العيد بعد الصلاة كما كان يحصل عادة عندنا في ولاية أدم إذ أن لكل قبيلة سبلتها بل أن لكل فخيذة في القبيلة الواحدة سبلتها حيث يجتمع الناس لكل المناسبات كالأعياد والأفراح والعزاءات ولكن الخوف الشديد من عدوى المرض نظرا للمبالغة الشديدة في إظهار خطورته أدت بالناس إلى أن يرفضوا حتى السلام على أقرب الناس إليهم وكأن عدم المصافحة ستمنع قدر الله ..! مع العلم بأن السبلة عندنا موروث أصيل فيها تتخذ كل القرارات ، هذا إذا أخذنا في اعتبارنا أن عادة السلام بدأت تختفي من الناس مع تغير المجتمع إذ أصبح شيئا عاديا أن يمر إنسان على آخر ولا يلقي عليه تحية السلام وهي التي قال عنها الرسول صلى الله عليه وسلم: ( افشوا السلام تدخلوا الجنة بسلام ) ولسان الحال يقول كأن المجتمع كان يستثقل ما بقي فيه من بعض الصفات الحميدة وينتظر مجرد قشة ليتخلى عنها ، وسيأتي يوم يقول فيه أبناؤنا وأحفادنا إنه كان من عادات آبائنا وأجدادنا شيء اسمه التصافح

هناك أشياء كثيرة قد تؤدي إلى نقل أي عدوى ولكن لا أدري لماذا التركيز فقط على المصافحة لدرجة أن بعض المكاتب الرسمية أصبحت تعلق لافتات تمنع الناس من المصافحة – كما فعل ذلك العزيز مديرنا العام - وإن ما نخشاه الآن أن يتم منع صلاة الجماعة باعتبار التجمع في المساجد يؤدي إلى نشر المرض وانتقال العدوى لأن الإمام يدعو المصلين أن يحاذوا المناكب بالمناكب والأقدام بالأقدام ويسدوا الفرج

لو أننا ركزنا كل اهتمامنا على بقية الأمراض بقدر تركيزنا على هذه الأنفلونزا أظن أننا كنا سنقضي عليها حتما ولو أننا ركزنا كل اهتمامنا على تقويم سلوك وأنماط حياة الناس التي تغيرت في كل مناحي الحياة ومنها على نظام السير و على حوادث السيارات في السلطنة قدر تركيزنا على هذه الأنفلونزا إذن لكنا قضينا على هذه المشكلة الكبيرة التي أصبحت تؤرق الجميع إذ تقول الإحصائيات الرسمية أن فترة إجازة العيد وحدها شهدت وفاة 48 شخصا جراء حوادث السير ذهب فيها زميلنا المخرج الإذاعي في البرامج الأجنبية الزميل عبدالله البرواني ضمن الكثيرين الذين ذهبوا فأين هي الخطورة هل هي في انفلونزا الخنازير أو في الاستهتار بالأرواح من خلال السلوك السيء في الشوارع مما يؤدي إلى حوادث السيارات التي تزداد يوما بعد يوم رغم إكثار الرادارات بأنواعها المختلفة ؟ 
3
إن مرض انفلونزا الخنازير لا يختلف عن أي مرض آخر من الأمراض التي جاءتنا فجأة ثم اختفت فجأة أيضا كمرض جنون الأبقار ومرض انفلونزا الطيوروالإيدز وغيرها من الأمراض وكلها مستوردة من خارج بيئتنا ولكن الغريب أن يركز الإعلام العربي عليه وينسى الأمراض المستوطنة التي تفتك بالملايين من العرب سنويا كالسرطان والملاريا والسل هذا غير الأعراض الأخرى بالجوع والفقر والجهل وما ينتج عن ذلك من ضياع الأخلاق مما يؤكد أن الإعلام العربي ليس إلا مرآة عاكسة للإعلام الغربي الذي ينفذ سياسة مرسومة بدقة ، فهذا المرض كما تؤكد إحصائيات منظمة الصحة العالمية أقل فتكا من الانفلونزا العادية التي تصيب سنويا ما يتراوح بين 25 و 50 مليون شخص في أمريكا وحدها يدخل منهم ما بين 150 و 200 ألف شخص المستشفيات ويتوفى بسببها ما بين 30 و 40 ألفا سنويا مما يعني أن عدد الإصابات بأنفلونزا الخنازير يظل رقما عاديا لا يرقى إلى مستوى الوباء الذي أعلنته منظمة الصحة العالمية

إن انفلونزا الخنازير ليس إلا مؤامرة من المؤامرات الأمريكية إذ أشارت التقارير إلى أن المرض ظهر مع أنباء أشارت إلى اختفاء عبوات زجاجية من أحد المختبرات في قاعدة عسكرية أمريكية في ولاية ميريلاند تحتوي على عينات من فيروس خطير اسمه العلمي ( التهاب الدماغ الخيلي الفنزويلي ) والذي يصيب الخيول ويمكن أن ينتقل إلى البشر ، وهذا الخبر يعيد إلى الأذهان ما قامت به الولايات المتحدة الأمريكية عام 2004 عندما نجحت في استعادة فيروس ظهر عام 1918 وقتل 30 مليون شخص عن طريق استخلاصه من الحمض النووي لجثة متوفى به في آلاسكا بحجة أنها تريد التعرف على هذا الفيروس القاتل الذي تعود إليه خمسة أنواع من فيروسات الأنفلونزا الوبائية التي ظهرت بعده ، وقد نقلت مجلة ( نيو ساينتست ) البريطانية عن عدد من العلماء – حسب تقرير منشور في الأنترنت – أن احتمال تسرب هذا الفيروس من معامل التجريب قد يؤدي إلى نتائج كارثية

وفي مقال نشره موقع ( جلوبال ريسيرش ) في 14/8/2008 كتب وليام انجدال تحت عنوان ( مشروع البنتاجون للفيروسات المعدلة ) وصف فيه عملية استدعاء فيروس ظهر عام 1918 بأنها جنون محض وقال إن هناك معلومات تشير إلى أن احتكارات الأدوية تعمل مع الولايات المتحدة على تطوير مادة فيروس لترويج لقاح ضده ، وقد كان ذلك الوقت هو فترة صعود فيروس انفلونزا الطيور.

وحتى لا يتهمني أحد بأنني من المؤمنين بثقافة المؤامرة أواصل نشر ما كتبه وليام انجدال في مقاله المذكور إذ يقول إن فيروس الأنفلونزا الأسبانية ذلك هو احدى التجارب الأولى للأسلحة البيولوجية وإنه ولد في قواعد عسكرية في كنساس وتم تجريبه على عدد من الجنود أثناء الحرب العالمية الأولى قبل أن يصبح وباء فتاكا فيما بعد ، ويقول انجدال إنه في الوقت الذي كان عدد ضحايا انفلونزا الطيور بضع عشرات من الأشخاص وجرى تسويق المرض دوليا على أنه خطر ووباء فإن نحو 460 ألف أمريكي ماتوا عام 1999 بسبب الآثار الجانبية لدواء أمريكي للقلب اسمه " الأسبارتم " وكانت شركة " سيرل " المنتجة له في شيكاغو على وشك فقدان ترخيص إنتاجه إلى أن تولى رئاستها دونالد رامسفيلد الذي أصبح فيما بعد وزيرا للدفاع واستخدم صلاته في واشنطن لتمرير الدواء
4
هكذا إذن رأينا أن زعيمة ما يسمى بالعالم الحر وهي أمريكا قد استغلت العلم لتطوير أمراض واستدعائها عبر معاملها ، وانفلونزا الخنازير واحد من هذه الأمراض حيث يرى المحللون أن هناك عدة دوافع وراء مؤامرة نشره وهي الرغبة في صرف أنظار الرأي العام عن ضغوط الأزمة الاقتصادية الخانقة بحيث يكون الإحساس بالخطر الصحي أقوى من الإحساس بالخطر الاقتصادي وهو ما يؤدي إلى إتاحة الفرصة أمام صناع القرار لكي يتخذوا مواقف معينة قد لا يقدرون عليها في توقيتات أخرى وهذا بدوره أدى إلى رفع قيمة وأسهم الشركات الكبرى المنتجة للأدوية في هذا المجال وزيادة الطلب على منتجاتها وهو ما تحقق بالفعل حيث طلبت كل دول العالم كميات كبيرة من الدواء لا يعرف حتى الآن إن كان يصلح أو لا ، فيما يفترض أن تعطي أمريكا وغيرها من الدول الغربية دول العالم الثالث الدواء مجانا كما طالب بذلك الأخ العقيد معمر القذافي في كلمته في الأمم المتحدة

إن الهالة الإعلامية الكبيرة التي رافقت مرض انفلونزا الطيور ودفعت العالم بضغط من منظمة الصحة العالمية إلى انفاق مليارات الدولارات – كما يرى نيكولا روكسون وزير الصحة الأسترالي – هي نفسها التي ترافق مرض انفلونزا الخنازير مما يعني أن العالم مقبل على دفع مبالغ جديدة والمستفيد الأوحد منها هي الشركات المصنعة للأدوية والتي تفوق ميزانياتها ميزانيات عدد من الدول مجتمعة فتعمل كأخطبوط يلف أذرعه حول اقتصادات الدول سواء أكانت نامية أو متقدمة بل إنها تتحكم بسياسات الدول لتغدو محركا خفيا لرسم سياسات العالم ونهب ما يملكه من ثروات

والسؤال بعد كل ذلك أين العرب ؟ وهل يمكن أن تسمى هذه أمة وهي التي تتسول ما تأكله وما تشربه وما تلبسه وما تتداوى به ؟ ثم هل يمكن أن تسمى هذه أمة وهي التي عليها أن تنفذ كل ما يأتيها من الخارج ؟ ليس لدي مانع في المصافحة فإنني من خلال جريدة الشبيبة أصافحكم أجمعين وأصافح أمة الأمجاد

منشورة في جريدة الشبيبة في 6 أكتوبر 2009م

No comments:

Post a Comment